* بسم الله الرحمن الرحيم *
لم تكن الفنادق في العصور السابقة تحظي بهذا الاهتمام الكبير الذي تحظى به الآن. وبمرور الزمن ترسخت أهمية وجود الفنادق حيث حظت معظم الفنادق بأهمية قصوى من حيث التصميم المعماري نظراً لتوافد ن العديد من النزلاء الذين لا يرغبون سوي في الابتعاد عن ضوضاء الكازينوهات والاستمتاع بمشهد غروب الشمس علي سبيل المثال أو متعة النظر إلى الحمم البركانية وهي تتناثر من فوهة البراكين. ولكن هناك فندق واحد جسد هذه الفكرة ألا وهو فندق برج العرب بجزيرة دبي بالخليج العربي.
فهذا الفندق لا يوجد به أية قاعات قمار أو عروض سحرية أو ملاهي ليلية تعمل على تشتيت ذهن النزلاء. بل إن التسلية والمتعة الحقيقية التي سيحظي بها النزيل هو الاستمتاع بالمشاهد سواء داخل الفندق أو المظهر الخارجي له علي بعد عدة أميال. ولا يرجع السبب وراء ذلك نظراً لأن هذا الفندق هو أطول فنادق العالم حيث يبلغ ارتفاعه 1053قدم أو لأنه يتوسط الشاليهات الصغيرة المنتشرة علي الشواطئ الغير حضرية بدبي كما لو كان المبنى الامبراطوري يتوسط هامبتون، فلقد رغب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولى عهد دبى ومالك الفندق أن يصبح هذا الفندق بحق أحد عجائب الدنيا وأن يصبح رمزاً للمدينة مثله في ذلك مثل برج إيفل أو دار أوبرا سيدني
لذا فإن كتيبات الترويج والدعاية عن الفندق تقول أن الفندق يتخذ شكل يخت وأن الساري الموجود به والذي يشبه الساري الموجود باليخوت من طراز سانت تروبيز يصل طوله إلي خمس وعشرين مرة ضعف أي يخت من هذا الطراز. لذا فإن أولئك الذين نسوا شكل اليخوت في ريفييرا سيستعيدون علي الفور صورة اليخت العملاق ويندسفرير .
أما جناحي المبنى مثلثي الشكل فيتخذا شكل حرف V عند الساري بينما تجسد المسافة بينهما ردهة رئيسية كبيرة علي شكل شراع مصنوع من الفيبر جلاس المدهون بمادة التيفلون
ولقد كان الهدف وراء جميع هذه الصور الخيالية البحرية التي قام بتصميمها المهندس المعماري توم رايت الذي يعمل لحساب شركة W.S Atkins ومقرها لندن هو إضفاء إحساس بالرفاهية والإثارة والسوفسطائية والمغامرة. فنصف المغامرة يكمن في مجرد دخول المبني حيث حاولت إدارة الفندق أن تزيد درجة الافتنان به وذلك من خلال منع زيارة الأفراد. كما ينتشر رجال الأمن عند المدخل الوحيد بالفندق لإبعاد أي فرد لا يقوم بحجز غرفة أو طاولة لتناول أحدى الوجبات. كما يستخدم الفندق سيارات الرولز رويز ذات اللون الفضي في إحضار النزلاء من المطار مباشرة إلي الفندق بمجرد وصولهم. وهو أسلوب معاملة يشبه كثيراً معاملة الأمراء. وتقدر تكلفة هذه المعاملة 890 دولار أمريكي في الليلة الواحدة. أما الإقامة بالجناح الملكي فتكلفته 6849 دولار أمريكي في الليلة الواحدة. وفي الحقيقة فإن هذه التكلفة المثيرة تعد بحق أحد عوامل الجذب للفندق حيث أن هناك بعض النزلاء سيستمرون في الإقامة بالفندق لمجرد التفاخر بأنهم يمكنهم الإقامة لفترات طويلة في مثل هذه الفنادق.
كما أن البنيان نفسه يعد علامة من علامات الإسراف. فهذا الفندق قد أنشأ علي جزيرة صناعية تبعد عن الشاطئ بحوالي 1300 قدم وذلك لتجنب ظهور ظلال الفندق علي االشاطئ من ناحية ولتحقيق التميز لهذا الفندق من ناحية أخري. كما يمتاز الفندق أيضاً بشكله الهندسي الذي يعطى انطباعاً بالغ التأثيرفالهيكل الخارجي المصنوع من الاستيل يساعد علي تدعيم وتقوية البرج ضد أي مخاطر قد تنجم عن الزلازل أو الرياح. ويلتف هذا الهيكل الذي يتخذ شكل V حول هيكل أخر علي نفس الشكل ألا وهو برج مصنوع من الخرسانة المسلحة يضم كل من الغرف والردهات. ويتصل كلا هذين المبنيين من خلال عمود خرساني عند قاعدة V وعند نقطتين بجدار القاعة المركزية التي تأخذ شكلاً منحنياً. ويبلغ ارتفاع البنيان العلوي المقاوم للزلازل 850 قدم من الأرض، كما أنه مزود بعامود (ساري) بطول 200 قدم أخري.
وبدلاً من وضع منصة لطيران الطائرات المروحية (الهيلكوبتر) بأرضية الفندق، أنشأ المهندسين المعماريين منصة طيران خاصة بالقرب من البرج العلوي للمبنى وتحاط هذه المنصة بعناية وقدسية فائقة كعنصر جذب لأولئك الذين يرغبون من الأثرياء في الطيران من هذه المنصة
أما الردهة الرئيسية فيبلغ ارتفاعها أكثر من 600 قدم وتشغل حوالي ثلث المساحة الداخلية. أما عن طوابق النزلاء والبالغ عددها 28 طابق فهي مزدوجة الارتفاع . كما تمت زيادة حجم الغرف بمقدار الضعف لإضفاء إحساس أكبر بالرفاهية. وكل جناح مجهز بتجهيزات بسيطة تشغل 1800 قدم مربع فقط من مساحته (وهي مساحة تفوق بكثير أكبر كابينة قد توجد علي أي يخت) بينما سنجد أن إجمالي مساحة الجناح المكون من ثلاث غرف نوم تصل إلي 8400 قدم وهو ما يشبه بحيرة يمكن الإبحار فيها أما عن التصميم الداخلي للفندق فيتميز هو الآخر بالمبالغة الشديدة في تجهيزاته. فيقول أحد أفراد فريق العلاقات العامة وهو يشير إلي إحدى الرقاقات المعدنية الموجودة بالفندق ومصنوعة من الذهب عيار 22 "إن أي شيئ قد يبدو لك من الذهب فاعلم أنه مصنوع بالفعل من الذهب". أما في البهو فإن هناك 21 أريكة مصنوعة من الجلد وبها تربيعات من الوسادات الناعمة والمساند المصنوعة من الحرير المخطط تنسجم إلي حد كبير مع السجاد الذي ينتشر بينها في اتجاه أحواض الأسماك التي تفوق في حجمها غرف النزلاء في أي من الفنادق الأقل حجماً. أما الفازات المطلية بالذهب فيوجد بها غابات من الزهور الأستوائية كثيفة الأوراق تحوم من فوقها عصافير الجنة. والأكثر من ذلك أن عصائر الكوكتيل يتم إحضارها إلي النزلاء مزينة بشرائح من الفاكهة علي حافة الأكواب وإلي جوارها الشفاطات وخلة الأسنان
أما الممرات فتؤدي إلي الأجنحة الزوجية. أما بالنسبة للجدار الشفاف فهو مصنوع من طبقتين من الفيبر جلاس المدهون بالتيفلون ومدعم بسلسلة من الأقواس المشدودة موصلة بكمرات حديد في الطابقين 18 و26. وبينما لا يعتبر الساري الذي يبلغ ارتفاعه 200 قدم جزء من الهيكل الخارجي للمبنى في كلا التصميمين إلا أنه مدعم بخانقين كبيرين في جزئه العلوي
فالفندق لا يوجد كمجرد مبنى فحسب بل تدب فيه روح العمل. ففي الردهة الرئيسية علي سبيل المثال نجد النافورة الكبيرة وحولها عدد من النافورات الصغيرة يخرج منها الماء علي شكل ثابت أحياناً ومتقطعاً في أحيان أخرى كما لو كان لعبة مائية. أما الجدار الشفاف المصنوع من الفيبر جلاس فسيعمل علي ترشيح وتنقية ضوء الصحراء المكثف ويحوله إلي وهيج في عالم آخر. وعند الظلام فسيعمل هذا الجدار كشاشة عرض للإضاءة الليلية. ويوجد كذلك داخل التصميم الداخلي للفندق سطح مموج تضاء خلفيته باللونين الأحمر والأزرق حيث سيتدفق الماء في خلفية هذا السطح وكذلك في جميع الواجهات بصلية ودائرية الشكل لغرف النزلاء لتصل إلى ارتفاع مقداره 600 قدم ثم تردد مرة أخرى
وعند الجلوس بالمطعم الكائن تحت سطح البحر بالطابق السفلي الأول فإن ذلك سيعطيك إحساس بإنك علي متن غواصة. أما إذا تكلمنا عن الجناح الملكي فيكفي أن نقول أن الفراش يدور بشكل هزاز عند مجرد الضغط على أحد الأزرار
ولقد تحول منطق العمل الن هاري للإقامة في الفندق في أذهان القائمين عليه إلى جهود لإعطاء تميز ما لفندق برج العرب. فلا يوجد بالفندق أية مكاتب لفحص أوراق النزلاء والتأكد من صحتها أو خزانة يضطر النزيل إلي الذهاب إليها لتسديد حسابه بل سيحضر الموظفون إلي العميل بأنفسهم. وتتميز أجنحة الفندق بأنها مزودة بقاعات طعام لها مداخلها الخاصة
وإذا ما ألقينا بنظرة علي الفندق سنجد أنه قد أنشأ علي الرمال ولتدعيم هذا الفندق فقد تم صب مئات من الخوازيق الأسمنتية لتصل إلي عمق 130 قدم تحت قاع البحر وذلك لتثبيت الأساسات في مكانها الصحيح حيث دقت هذه الخوازيق بين الشروخ وليس علي سطح الصخور. وبمعني آخر فكما يقول مارتن هالفورد أحد المهندسين الأستشاريين فإن الفكرة تقوم علي عدم تركيز حمل الخازوق علي رأسه بل علي امتصاص هذا الخازوق بطوله للحمل وذلك من خلال رمل اسمنتي لين ليشكل طمي أو غرين من حول الخازوق
وقد يمثل المرفأ الذي شكلته رمال صحراء الجزيرة العربية رمزاً مدنياً للرياضة على الرغم أن هذا لم يكن بالضبط ما يدور بمخيلة الشيخ راشد. فكل من الفندق والمدينة يمثلان انتصار للمال علي الناحية العملية كما أن كلاهما يفضل الأسلوب عن المادة. والأكثر من ذلك أن كلاهما قد تم تصميمه من أعلى إلى أسفل